. *وما أدراك ما زيــنب…*
*عَالِـــمة غير مُـــعَلَّمة*
*المـــحور
*
*العلم على قسمين:*
اكتسابي، تحصيلي،
ولدنّي.
*
أما الإكتسابي والتحصيلي:*
فهو أن يسعى الإنسان في طلب العلم ويجّد في تحصيله، وبقدر سعيه وجدّه يستطيع الإنسان أن ينال من درجات العلم وينتفع من بركاته.
*
وأما واللدنّي:*
فهو العلم الذي يمنحه الله تعالى خالق الإنسان بعض عباده ممن له أهلية ذلك، ويقذفه في قلب من هو كفو له، وذلك من غير تجشم عناء التعليم، ولا تحمل أتعاب التحصيل،
*
فبعض يلهمه الله تعالى العلم إلهاماً غيبياً ومن دون واسطة،*
*
وبعض يلهمه بواسطة الملائكة ويريه الملائكة أيضاً ويسمى بالوحي،*
*
وبعض لا يريه الملائكة ويسمى هذا الذي يوحى إليه بواسطة الملائكة ولا يرى الملائكة بالمحدّث، ولكل مقام خاص ودرجة خاصة تتفاوت رفعة وعلواً.*
والحصول على هذه المقامات الرفيعة من العلم اللدنّي صعبٌ جداً، ولا يتسنى لأحد من الناس الوصول إليها إلا للأنبياء و الرسل، والأوصياء والأولياء.
ثم إن الأنبياء والرسل والأوصياء والأولياء الذين هم وحدهم المختصون بالعلم اللدُنّي يكونون بالنسبة إلى هذا العلم على درجات،
*
فمنهم من قد حاز على درجة منه،*
*
ومنهم على درجتين،*
*
و منهم على ثلاث درجات،*
*
والذي قد حاز على كامل الدرجات وأعلى المراتب، هو أكمل المخلوقات، وأشرف الكائنات، سيد الأنبياء وأشرف المرسلين، حبيب إله العالمين، محمد وأهل بيته المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين.*
*والسيدة زينب عليها السلام هي من هذا البيت الرفيع:* بيت النبوة، وموضع الرسالة، ومعدن العلم، وأهل بيت الوحي، فلا عجب أن تكون قد نالت درجة الإلهام فهي إذن ملهمة بصريح كلام ابن أخيها الإمام السجاد عليه السلام حين قال لها:
*يا عمة … أنتِ بحمد الله عالمة غير معلمة*
(1).
إذ لا يكون العلم بلا تعلّم إلا عن طريق الإلهام.
(1)الإحتجاج لطبرسي، ج2 ص31.
*يـتبــع...*
*وما أدراك ما زيــنب…*
*عَالِـــمة غير مُـــعَلَّمة*
*المـــحور
*
*يستفاد من كلام الإمام السجاد عليه السلام المذكور في حق عمته زينب عليها السلام أموراً:*
أن السيدة زينب عليها السلام كانت قد بلغت هذه المرتبة العظيمة والمقام الرفيع عند الله تعالى وأن مادة علمها من سنخ ما منح به رجالات بيتها الرفيع أفيض عليها إلهاماً، لا بتخرُّج على أستاذ وأخذ عن مشيخة،
وإن كان الحصول على تلك القوة الربانية بسبب قابليتها وتهذيبات جدها وأبيها وأمها وأخويها، ولانتمائها إليهم واتحادها معهم في الطينة، فأزيحت عنها بذلك الموانع المادية، وبقي مقتضى اللطف الفيّاض الإلهي وحده،
وإذ كان لا يتطرقه البخل بتمام معانيه عادت العلة لإفاضة العلم كله عليها بقدر استعدادها تامة، فأفيض عليها بأجمعه.
*
ولولا ذلك لما نعتها ابن أخيها الإمام السجاد عليه السلام وهو معصوم بهذا النعت، ولما وصفها بهذه الصفة.*
إن الإمام عليه السلام أراد بكلامه المذكور في حق عمته زينب عليها السلام بيان شأنها وإظهار عظمتها.
إن الإمام عليه السلام أراد أن يشكر عمته زينب عليها السلام بكلامه هذا، على ما أسدته عليها السلام إليه في كربلاء من خدمة كبرى حيث رأته فجيع القلب من عظم المصاب فعزته بمصابه وصبرته عليه، فقام عليه السلام في الكوفة بعمل مماثل لما قامت به عليها السلام تجاهه،
إضافة أن من أهم الكمالات النفسية، والمقامات الإنسانية، هو مقام العلم، فإن العلم هو قمة كل شرف، وأفضل كل الملكات، وغذاء الروح، وبه استمرار الحياة المعنوية، وشرفه ذاتي،
*
وهذا ما لا يستطيع أحد إنكاره، إذ علو مقام العلم لا يخفى على أحد.*
*يـتبــع...*
*وما أدراك ما زيــنب…*
*عَالِـــمة غير مُـــعَلَّمة*
*تابـــع
*
*وقد ظهر من السيدة زينب عليها السلام ما يدل على علمها وفهمها وذلك في مواقع ومواقف:*
ما كان منها عليها السلام حينما كانت حاضرة عند أبيها الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وقد أجلس العباس عليه السلام وهو صبي في حجره وقال له:
*قل واحد. فقال: واحد. فقال له: قل اثنين، فامتنع وقال: إني أستحيي أن أقول اثنين بلسان قلت به واحدا،*
*وهنا التفتت زينب عليها السلام إلى أبيها وكانت هي أيضا صغيرة وقالت: أتحبنا يا أباه*
*فأجابها أمير المؤمنين عليه السلام برأفة: بلى يا بنية. فقالت: لا يجتمع حبان في قلب مؤمن حب الله وحب الأولاد، وإن كان ولابد فالحب لله تعالى والشفقة للأولاد، فأعجبه عليه السلام كلامها وزاد في حبه وعطفه عليها
*(1).
وإذا تأمّل هذا الكلام المتأمل رأى فيه علماً جماً، فإذا عرف صدوره من طفلة كزينب عليها السلام يوم ذاك، بانت له منزلتها في العلم والمعرفة.
وما كان منها: في نيابتها الخاصة عن الحسين عليه السلام حيث كان الناس يرجعون إليها في الحلال والحرام حتى شُفي زين العابدين عليه السلام من مرضه.
كما رواه الصدوق محمد بن بابويه.
وما كان منها عليها السلام: عند ما مروا بالأسرى على قتلاهن، فإنها عليها السلام صاحت من بين كل السبايا قائلة:
*
يا محمداه ! صلى عليك ملائكة السماء*(2)، *هذا حسين بالعراء، مرمل بالدماء، مقطّع الأعضاء، وبناتك سبايا، وذريتك مقتّلة*.
*فأبكت كل عدو و صديق حتى جرت دموع الخيل على حوافرها، ثم بسطت يديها تحت بدنه المقدس ورفعته نحو السماء وقالت:*
*إلهي تقبل منا هذا القربان
*(3).
وهذا ما لا يستطيع قوله إلا مثل زينب عليها السلام العالمة غير المعلمة، والتي كانت قد تعهدت لله تبارك وتعالى أن تشارك نهضة أخيها الإمام الحسين عليه السلام وتكون معه جنبا إلى جنب.
*وقد تحقق كل ما قالته عليها السلام مع أنها أمور غيبية لا يطلع عليها أحد إلا من كان ملهماً من الله تعالى*.
(1)كتاب العباس(عليه السلام) السيد المقرم ص144.
(2)مثير الأحزان، ص77.
(3)مقتل الحسين السيد المقرم ص307.
*يـتبــع...*
*وما أدراك ما زيــنب…*
*المحدِّثـــة العَالِـــمة*
*تابـــع
*
رُوِيَ أن العقيلة زينب عليها السّلام خَطَبت في الكوفة خُطبتَها الغرّاء فتركت أهل الكوفة يَموجُ بعضُهم في بعض، قد رَدُّوا أيديهم في أفواههم، حيارى يبكون وقد تمثّل لهم هولُ الجناية التي اقترفوها.
قال الإمام زين العابدين عليه السّلام لعمّته زينب عليها السّلام:
*
أنتِ بحمد الله عالِمةٌ غيرُ مُعلَّمة، فَهِمةٌ غيرُ مُفهَّمة
*(1).
وكلام الإمام زين العابدين عليه السّلام يدلّ بما لا غبار عليه على المنزلة العلميّة الرفيعة التي ارتقت إليها عقيلة الهاشميّين عليها السّلام،
*فهي عالمة بالعلم اللدُنّيّ المُفاض من قِبل ربّ العزّة تعالى وليس بالعلم المتعارَف الذي يُكتسب بالدرس والبحث.*
وقال الشيخ المامقانيّ في تنقيح المقال في معرض حديثه في السيّدة زينب عليها السّلام:
*زينب، وما زينب ! وما أدراك ما زينب! هي عقيلة بني هاشم، وقد حازت من الصفات الحميدة ما لم يَحُزْها بعد أمّها أحد، حتّى حقّ أن يُقال: هي الصدّيقة الصغرى، هي في الحجاب والعفاف فريدة، لم يَرَ شخصَها أحدٌ من الرجال في زمان أبيها وأخوَيها إلى يوم الطفّ، وهي في الصبر والثبات وقوّة الإيمان والتقوى وحيدة، وهي في الفصاحة والبلاغة كأنّها تُفرِغ عن لسان أمير المؤمنين عليه السّلام كما لا يَخفى على مَن أنعم النظر في خُطبتها.*
ولو قلنا بعصمتها لم يكن لأحد أن يُنكر إن كان عارفاً بأحوالها في الطفّ وما بعده.
*كيف ولولا ذلك لما حمّلها الحسين عليه السّلام مقداراً من ثقل الإمامة أيّام مرض السجّاد عليه السّلام،*
*وما أوصى إليها بجملة من وصاياه،*
*ولَما أنابَها السجّادُ عليه السّلام نيابةً خاصّة في بيان الأحكام وجملة أخرى من آثار الولاية.*
(1)الإحتجاج لطبرسي، ج2 ص31.
*يـتبــع...*
*وما أدراك ما زيــنب…*
*الصّابــرة الزَاهِــدة*
*وما أدراك ما زيــنب…*
*المتهجّــدة العَابِـــدة*
*تابـــع
*
أشبَهَت عقيلةُ بني هاشم عليها السّلام أمَّها سيّدةَ نساء العالمين فاطمةَ الزهراء عليها السّلام في عبادتها، فكانت تقضي ليلها بالصلاة والتهجّد، ولم تترك نوافلها حتّى في أحلَك الظروف وأصعبها،
فقد روي عن الإمام زين العابدين عليه السّلام أنّه قال :
*إن عمتي زينب مع تلك المصائب والمحن النازلة بها في طريقنا إلى الشام ما تركت نوافلها الليلية*
(1).
لم تُقعِد بها تلك المصائب الراتبة التي تَهدّ الجبالَ عن أن تتهجّد وتُناجي ربّها الكريم.
ونُقل عن ريحانة رسول الله صلّى الله عليه وآله، الإمام الحسين عليه السّلام، أنّه لمّا ودّع أخته زينب عليها السّلام وَداعَه الأخير قال لها:
*يا أُختاه، لا تنسيني في نافلة الليل*
(2).
وروى الجواهري في ( مثير الأحزان ) عن فاطمة بنت الإمام الحسين عليه السّلام أنّها قالت:
*وأمّا عمّتي زينب فإنّها لم تَزَل قائمةً في تلك الليلة ـ أي ليلة العاشر من المحرّم ـ في محرابها تستغيث إلى ربّها، فما هدأت لنا عين ولا سكنت لنا رَنّة*
(3).
وروي عن الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين عليه السّلام إنّه قال:
*إنّ عمّتي زينب كانت تؤدّي صلواتها من قيام الفرائض والنوافل عند سير القوم بنا من الكوفة إلى الشام، وفي بعض المنازل كانت تصلّي من جلوس، فسألتها عن سبب ذلك، فقالت: أصلّي من جلوس لشدّة الجوع والضعف منذ ثلاث ليال؛ لأنّها كانت تُقسّم ما يُصيبها من الطعام على الأطفال، لأنّ القوم كانوا يدفعون لكلّ واحد منّا رغيفاً واحداً من الخبز في اليوم والليلة *
(4).
وفي هذه الأخبار دلالة لا أوضح منها على أنّ السيّدة زينب عليها السّلام كانت من القانتات اللائي وَقَفنَ
*حركاتهنّ*
*وسكناتهنّ*
*وأنفاسهنّ*
للباري تعالى، فحصلن بذلك على المنازل الرفيعة والدرجات العالية التي حَكَت برفعتها منازلَ المُرسلين ودرجات الأوصياء عليهم الصلاة والسلام.
(1)زينب الكبرى، الشيخ جعفر النقدي.
(2)زينب الكبرى عليها السلام من المهد إلى اللحد.
(3،4)زينب الكبرى، الشيخ جعفر النقدي.
*يـتبــع...*
*تابـــع
*
إنَّ مدرسةَ الصبرِ التي شكَّلتها السيدة زينب عليها السلام خلال فترة حياتها لهيَ كافيةٌ لأن يتصبَّرَ كلُّ إنسانٍ على مصائبهِ مقترناً بها.
وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام: *أصلُ الصَّبرِ حُسنُ اليَقينِ بِاللّهِ*
(1). فمن خلالِ صبرِها عليها السلام نعرف مقدار حُسنِ يقينِها باللهِ عزَّ وجلَّ، فأيُّ يقينٍ هذا وأيُّ تسليمٍ؟!
وهيَ تقفُ في ساحةِ كربلاءَ بعدَ واقعةِ عاشوراءَ وترى كيفَ
*قُتلَ أخوها الحسينُ عليهِ السلامُ
*
*و هو ملقىً على رمالِ الصحراءِ الساخنةِ
،*
*ومعهُ إخوَتُها وأولادُها وأولادُهم وأصحابُهُ
،*
*ورؤوسُهُم محمولةٌ على القنا
،*
*وقد أُحرِقتْ الخيامُ...
*
تقفُ عليها السلامُ عندما سُألتْ عمَّ فعلَ اللهُ بأخيها الحسينِ فقالت: *ما رأيتُ إلاَّ جميلاً..!!
*(2).
*هي زينُ أبيها*
*فكانتْ السيِّدةُ زينبٌ عليها السلامُ حقاً زينَ أبيها في قمَّةِ هذا الصبرِ،*
*ونحنُ علينا أن نكونَ زينَ أئمتِنا في كلِّ*
*مواقِفِنا*
*وأقوالِنا*
*وقراراتِنا..!!*
*(أقول)* يكفي في علو مقام هذه الدرة المكنونة والجوهرة المصونة في الصبر وعظيم درجتها في التسليم لأمر الله والرضا بقضائه في تثبيت الدين عليها السلام لما وقفت على جسد أخيها الحسين عليه السلام قالت :
*اللهي تقبل منا هذا القربان
*(3).
(1)غرر الحكم ٣٠٨٤.
(2)مقتل الحسين السيد المقرم ص225.
(3)مقتل الحسين السيد المقرم ص307.
*نهدي ثواب هذا العمل لحفظ ودفع البلاء عن الامام صاحب العصر والزمان المهدي (عجل الله فرجه) أرواحنا لتراب مقدمه الفداء.*
*انتهى البحث*
*يا زينب الكبرى*
*يا عَقيلة بني هاشم*
*مناسبات*
*مناسبات لذكرى ولادة السيدة زينب*
العقيلة زينب في سطور
زينب الكبرى عليها السلام
جدها لأمها: رسول الله (صلى الله عليه وآله). جدتها لأمها: خديجة الكبرى. جدها لأبيها: أبو طالب شيخ البطحاء. جدتها لأبيها: فاطمة بنت أسد. أبوها: علي أمير المؤمنين. أمها: فاطمة الزهراء. أخواها: الإمامان الحسن والحسين. أختها: أم كلثوم. ولادتها: خمسة جمادى الأول السنة الخامسة الهجرة، بالمدينة.
*السلام عليك يا زينب الكبرى*
*يازينب الكبرى*
*يا عَقيلة بني هاشم*