مقدمة
رسائل تربوية
التربية الاقتصادية
هذه الحياة قائمة على مبدأ التوازن، والخلل فيه يؤدي إلى الخلل في الحياة، وهذا الأمر شامل لكل مفرداتها، وعلى جميع المستويات.
التربية تدخل ضمن هذا المضمار، فهي مفهوم حياتي يقتضي التوازن لو أريد له النجاح، وهذا الأمر يشمل كل جوانبها..
إذ للتربية جوانب متعددة، بعضها نفسية، وبعضها ثقافية، وجسدية، وغيرها..
َومنها الجانب الاقتصادي، وهو محل البحث.
إن الجانب الاقتصادي يُنظر له من جانبين:
الجانب الأول: من جهة الوالدين:
أي ما يلزم على الأبوين اقتصاديًا تجاه الأبناء، والمطلوب منهم هو إحداث عملية (التوازن) هنا، فلا إفراط ولا تفريط..
لا دلال زائدًا عن الحد المطلوب، ولا بخل وتقصير فيما يحتاجونه اقتصاديًا.
وحتى تتضح الصورة نذكر النقاط التالية:
النقطة الأولى: إن إهمال الجانب الاقتصادي للأولاد، يؤدي إلى نتائج وخيمة، منها:
أولًا: شعور الأولاد السلبي بعدم قيمتهم في الحياة لدى آبائهم..
فعندما يراك ولدك تهتم بسيارتك وصحتها الميكانيكية أكثر من صحته البدنية، وعندما يراك تشتري أغلى الهواتف النقّالة لإشباع رغبك ولا تشتري له لعبته المفضلة أو حتى ملابسه الضرورية..
عندها سيتمنى أن يكون حاجة من حاجياتك التي تهتم بها، لأنه سيشعر أنه إنسان لا قيمة له عندك.
هذا إذا كان الأب يهتم بمثل تلك الأمور.
ثانياً: أما إذا كان من النوع البخيل، فهو لا يصرف على نفسه ولا على عياله..
فإنه بالإضافة إلى خسارته لولده، هو سيخسر قيمته المعنوية أمام أولادهم..
ذلك لأنهم وبلا شك سيسمعون أصدقاءهم يسردون عليهم مقاطع من سفراتهم الترفيهية مع آبائهم، أو صورة الهدية التي أحضرها الأبوان يوم عيد ميلادهم، أو يوم حصلوا على نتائج جيدة في الامتحان..
وبمقايسة بسيطة من الأولاد سيحكمون على ذلك الأب البخيل بحكم قاسٍ جدًا..
وسيحتاج الأب إلى وقت طويل ليصحح تلك الحكم ويستأنف ذلك الحكم، لو أراد تصحيح صورته طبعًا.
ثالثًا: إن الأولاد سينتظرون اللحظة المناسبة للتحرر من قيود سجن البيت..
ذلك عندما تتاح لهم فرصة الحصول على المال، بعمل او غيره، مما يغنيهم عن أبيهم، حينها..
سيستغنون عن أبيهم بالمرة، كما اضطرهم هو من قبل أن يستغنوا عن أمواله.
لا تنس أن المال يمكن تعويضه، ولكن كيف ستعوض قلبًا خسرته أو ابنًا حرمته؟!
النقطة الثانية:
إن الشرع قائم على ضرورة تكفّل الأب مهمة الرعاية الاقتصادية للبيت عمومًا، فحتى لو كنت الزوجة غنية فإن نفقتها الواجبة هي على زوجها..
نعم، إذا كان للأولاد أموال خاصة فيمكن للأب –وهو وليهم الشرعي- أن يصرفها عليهم بشرط أن لا يكون في صرفها مفسدة عليهم..
أما إذا لم يكونوا يملكون المال، فإن تمام نفقتهم اللازمة هي على أبيهم، والتقصير في هذا الجانب قبيح عقلًا وحرام شرعًا.
النقطة الثالثة:
صحيح أنه لا يجب على الأم أن تنفق على اولادها ونفسها مع وجود الأب..
ولكن هذا لا يعني أن تتقوقع على أموالها لنفسها، بل ينبغي لها –تربويًا على الأقل- أن تمدّ يد العون لزوجها ولأولادها ما أوتيت إلى ذلك سبيلًا.
وأما إذا لم تكن ذات مالٍ، فعليها أن لا تعدم الأسلوب الجميل والابتسامة والترحيب والتشجيع المستمر، ومعالجة المواقف الحرجة بحنكة وذكاء.
عليها أن تقف إلى جنب زوجها –لو أعوزه الحال- وأن تصبر على قلة ذات يده..
وعليها أن تُفهّم أولادها أن أباهم لا يملك غيرهم، وأنه يبذل قصارى جهده من أجل تلبية رغباتهم، ولكن الظروف لم تتأتّ معه كما يجب أو كما يحب..
لذلك عليهم أن يقدّروا هذا منه، وأن يجعلوا من خططهم المستقبلية مساعدة أبيهم اقتصاديًا عندما تتاح لهم الفرصة المناسبة.
النقطة الرابعة: وكما أن التقصير في هذا الجانب خطأ، كذلك الإفراط به إلى حدّ الدلال غير المبرمج ولا المنظّم هو خطأ آخر قد يقع فيه بعضٌ آخر من الآباء.
إن من طبيعة الطفل أنه موجود مستهلك، فلو وجد الموارد أمامه متوفرة وبكثرة وبسهولة، فإنه سيزيد من استهلاكه اللا مسؤول..
وسوف لن يتراجع إلى نقطة سابقة بعد أن تجاوزها..
وعندكم الطفل لو لم يُفطم، فإنه سيستمر بالرضاع ولو تجاوز عمره الأربع أو الخمس سنوات ربما، وأعتقد انكم رأيتم طفلًا أو اثنين ممن يضعون الماصّة الخاصة بالأطفال وهم بهذه الأعمار أو ربما حتى أكبر!
ولذلك شبّه أحد الشعراء النفس -التي لم توضع لها قيود من العقل- بالطفل وحبه للرضاع فقال:
والنفس كالطفل إن تهمله شبّ على ***
حبّ الرضاع وإن تفطمه ينفطم
فلو لم نصنع له قيودًا من البداية، لبقي الطفل يسير مغمضًا عينيه يستهلك الأخضر واليابس..
وفي اللحظة التي يعجز الأب –لسبب ولآخر- عن توفير رغباته اللا متناهية، فإنه سيحكم على أبيه بأحكام سلبية، وسيعتبر نفسه ضحية حرب، وقد يواجهه بما لا يُحب من الألفاظ أو السلوك.
وكتطبيق عملي، ينصح علماء التربية بتحديد مصروف يومي للطفل، لا يُعطى أكثر منه إلا في حالات الضرورة القصوى، وللطفل أن يدّخر من مصروفه لحاجاته الأخرى..
فذلك يعلمه أن المال لا يُعطى دومًا بالمجّان، ويعلمه كيفية إدارة أمواله بما يخدم مصالحه، وأن يقسم موارده على ما يحتاج إليه من أمور، وكل ذلك يصب في عملية البناء الاقتصادي التكاملي للطفل.
ولذلك قالوا: إن (تخصيص مصروف مفتوح وغير مقنّن للطفل، لن يعلّمه أبدًا كيف تسير الحياة من حوله، وهناك أجيال ترعرعت وهي تعيش مُسلّمات كثيرة خاطئة..
ومنها: أن المال منحة مجانية، ويتوقع هؤلاء أن يبقى الآباء ينفقون عليهم ويسددون فواتيرهم حتى بعد أن يكبروا...
فتوفير فيض زاخر من الأموال للأطفال، من دون أن نعلمهم عادة العمل الجادّ..
سيجعلهم أبناءً متذمّرين وأنانيين، يرون كل شيء في حياتهم حقًا مكتسبًا، وعندما نحرمهم من أي شيء، صغر أو كبر، يعتبرون أنفسهم ضحايا...
في حين أن أسوأ ما يمكن أن تربي عليه أبناءك، هو ان يعتبروك –أو يعتبروا أي إنسان آخر- مجرد بنك متحرّك أو صرّاف آلي، يقدّم لهم المال كلّما جاؤوا للسؤال.)
النقطة الخامسة:
لا شك أن معظم الآباء يبذلون قصارى جهدهم من أجل توفير العيش الكريم لعوائلهم، وقد تتفهم الأم –أو على الأقل بعض الأمهات- حقيقة هذا الأمر وقد تتحسّس آلامه وصعابه..
وإن كنّا لا نعدم الأمهات اللائي لا يقدرْن ما يبذله الأزواج من جهود في سبيل إسعادها وأولادها..
كما لا نعدم في الجانب المقابل أزواجًا لا يقدّرون ما تبذله الزوجات في سبيل تحويل البيت من سجن إلى حديقة غنّاء!
ولكن الأولاد –في كل ذلك- قد لا تكون عندهم القدرة على فهم تلك الجهود المبذولة وتقديرها، خصوصًا في بدايات حياتهم..
إلا بعد أن يقطعوا شوطًا طويلًا في مضمار الحياة.
وهنا، تبرز أهمية التربية الاقتصادية الناضجة ، لتعمل على تهيئة الظروف المناسبة للأولاد ليتعرفوا على حجم تلك الجهود التي يبذلها الأبوان.
إن تكليف الأم لابنتها بأن تغسل أواني الطعام ليوم واحد، لهو أمر تربوي يكشف للبنت –بعده- مقدار الجهد الذي كانت ولا زالت تبذله الأم في غسل الأواني وغيره كثير من الأعمال المنزلية.
كما أن تكليف الأب لولده بأن يحرث أرض الحديقة المنزلية مثلًا، وينظفها من الأدغال، كفيل بأن يحسّس الولد بمقدارٍ قليل من التعب الذي يتجرعه الأب يوميًا عندما يهرع من الصباح الباكر لممارسة شتى الأعمال –ربما-
والتي يكون تنظيف الحديقة وحرثها جزءًا يسيرًا منها، كل ذلك من أجل توفير العيش الكريم لهم.
الخلاصة: أن تكليف الأولاد –في عمر مناسب- بالقيام ببعض الأعمال –المتناسبة مع أعمارهم وقواهم العضلية-
كفيل بالإشارة إليهم وإشعارهم بالجهود الاستثنائية التي يبذلها الآباء والأمهات يوميًا... وهذا أمر يدخل في نظام:
(تنضيج) الأولاد فكريًا وعمليًا.
النقطة السادسة:
أساليب تربوية للتنمية الاقتصادية:
الأسلوب الأول: مهارة الادّخار.
تعوّد أبناؤنا –خصوصًا في المجتمعات الشرقية ولعله كذلك في المجتمعات الغربية- على أن يستلموا مصروفاتهم اليومية بالمجّان من أحد الأبوين..
وغالبًا ما يكون الهدف من المصروف هو إنفاقه أثناء التواجد في المدرسة أو حتى في البيت..
وهذا في حدّ نفسه أمر ضروري للأولاد، إذ إنهم يحتاجون لمصروف معين كما هو واضح.
المهارة هنا تكون في أن نعلّمهم، وندفعهم ونحفّزهم على أن يرشّدوا من الاستهلاك اليومي بتأجيل بعض الرغبات..
أو استبدالها بأقل كلفة منها، أو التعويض عن الأكل في كافيتريا المدرسة بطعام يؤخذ من البيت، وما شابه..
وتوفير ما يقابل هذه الحاجات من مال في صندوق خاص.
وقد تعمل بعض العوائل على تجميع مقدار معين من مصروفات الأولاد يوميًا لفترة معينة ليُعطى المجموع لهم بالتتالي (ما يُسمى عرفًا بالسِلفة).
هذا وإن علينا أن نعلمّهم التوفير في ما يكتسبونه من مال، سواء وصل لهم بالمجّان، كالهدايا، أو ما حصلوا عليه إزاء عمل معين قاموا به.
الادّخار أمر ضروري في توفير واردات تسدّ الحاجة وقت الفاقة أو العسر.
وقد دعا الدين في موارد عديدة وأشار إشارات واضحة إلى ضرورة العمل على مهارة (الادّخار)..
وقد دعا الدين في موارد عديدة وأشار إشارات واضحة إلى ضرورة العمل على مهارة (الادّخار)، ليس للصغار فقط، وإنما للكبار..
مما يعني أنها مهارة حياتية تدخل ضمن مقومات النجاح وأسس الحياة وضمانات المستقبل.
(وقصة النبي يوسف (عليه السلام) في القرآن الكريم خير دليل على أهمية الادّخار..
وذلك عندما فسّر رؤيا فرعون مصر في البقرات السبع بسنوات عجاف، والجدب، ومن ثَمّ اقترح عليه توفير القمح، لتجاوز هذه المحنة..
جاء في كتاب الله العزيز: (يُوسُفُ أَيـُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْـرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَىٰ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ . قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ .
ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ . ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِـرُونَ .) [يوسف 46 – 49]
نستلهم من هذه الآيات المباركة أن الهدف من الادّخار يكون حميدًا، لو كان الهدف منه حماية اقتصاد المجتمع، والحفاظ على أنماط تماسكه..
لدرجة أن نبيًا من أنبياء الله تعالى قد تولّى هذه المهمة بنفسه)
وهناك إشارات روائية عديدة لضرورة الادّخار..
عن رسول الله(صلى الله عليه وآله):إن النفس إذا أحرزت قوتها استقرت(1).
عن جعفر (عليه السلام) قال: قال سلمان رضي الله عنه: إن النفس قد تلتاث على صاحبها إذا لم يكن لها من العيش ما تعتمد عليه، فإذا هي أحرزت معيشتها اطمأنت(2).
فإذا علمنا أن أثر الادّخار أمر واقعي لا علاقة له بالعمر أو بالمستوى الثقافي..
علينا حينها أن نعلم أولادنا على هذه المهارة منذ نعومة أظفارهم، حتى لا يقعوا فريسة الاستهلاك غير المسؤول واللا أبالية عندما يكبرون.
ملحوظة مهمة: تأتي إن شاء الله تعالى..
(1)وسائل الشيعة ج17 ص434.
(2)بحار الأنوار ج22 ص381.
ملحوظة مهمة:
صحيح أن علينا أن نعلّم أولادنا مهارة الادّخار، كما أن علينا نحن أيضًا أن نمارس هذه المهارة، ولكن يلزم أن لا ينسى المرء نفسه فيصل إلى حدّ البخل، وحرمان النفس من ضروريات الحياة، وهذه مسألة خطرة، فقد يستغرق المرء في توفير المال، فيحلو في عينه جمعُه، إلى أن يصل إلى حدّ تنقبض يده عن البسط تمامًا، فيقع في شراك البخل ومصيدة الحرمان.
وهذا يعني: أن علينا أن نزن الأمور بموازينها الواقعية، وأن نبقى على تواصل دائم مع أصحاب العقول الراجحة والتجارب الناجحة، وليس هناك أفضل من أهل بيت العصمة (عليهم السلام)، حيث أعطونا قواعد عامة يمكن أن تكون هي المنهاج الأمثل في التوفير والادّخار للكبار والصغار على حدّ سواء.
وفي هذا المجال، وقد كتب الإمام علي (عليه السلام) كتاباً لزياد في ذم الإسراف عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (ومن كتاب له عليه السلام إلى زياد أيضا): فدع الاسراف مقتصدا واذكر في اليوم غدا وأمسك من المال بقدر ضرورتك وقدم الفضل ليوم حاجتك أترجو أن يؤتيك الله أجر المتواضعين وأنت عنده من المتكبرين؟ وتطمع وأنت متمرغ في النعيم تمنعه الضعيف والأرملة أن يوجب لك ثواب المتصدقين؟ وإنما المرء مجزي بما أسلف وقادم على ما قدم والسلام(1).
وفي الرواية عن معمر بن خلاد قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: إن رجلا أتى جعفرا صلوات الله عليه شبيها بالمستنصح له فقال له: يا أبا عبد الله كيف صرت اتخذت الأموال قطعا متفرقة؟! ولو كانت في موضع [واحد] كان أيسر لمؤنتها وأعظم لمنفعتها. فقال أبو عبد الله عليه السلام: اتخذتها متفرقة، فإن أصاب هذا المال شيء سلم هذا، والصرة تجمع هذا كله(2).
لاحظوا كيف أن الإمام الصادق (عليه السلام) يعلّمنا طريقة للتوفير، وهي أن نضع أموالنا في أماكن متفرقة لا في مكان واحد، إذ لعل شيئَا ما يُصيب هذا المكان، فلو كانت مجتمعة لعطبت كلها وتلفت، أما إذا كانت متفرقة، فإن تلف بعضها لا يسري إلى البعض الآخر، وهذا من مهارات التوفير والادّخار العقلائية الواقعية.
(1)نهج البلاغة ج3 ص19-18، بحار الأنوار ج33 ص490.
(2)بحار الانوار ج47 ص251.
الأسلوب الثاني: تحديد الأهداف.
إن من أكثر الأخطاء شيوعًا لدى كثير من الناس هو عدم تحديدهم أهدافهم وغاياتهم التي يريدون الوصول إليها، لذلك تجدهم يسيرون سير النملة التي لا ترى أكثر من عدة سنتمترات، ولا ينظرون بعين الصقر الثاقبة التي تتجاوز الحدود المتعارفة للنظر.
إن تحديد الأهداف من الأفعال يعتبر من أهم طرق النجاح المنهجي، ولذلك تؤكد عليه جميع الدراسات التي تناولت التنمية البشرية الاقتصادية وغيرها.
وفيما يتعلق بتحديد الهدف الاقتصادي للأولاد، علينا أن نتذكر أن أولادنا ما زالوا في بداية طريقهم في هذه الحياة، وأن مداركهم لم تكتمل لتتعرف على الأهداف النبيلة من غيرها، لذلك، لزم علينا –نحن الآباء والأمهات- التدخل السريع في مساعدتهم على تحديد أهداف منتجة في هذا المجال.
هل تتذكرون عندما كنا صغارًا، وكان معلمونا يسألوننا عما نود ونهدف أن نصل إليه في دراستنا؟!
إنها طريقة تحفيزية رائعة، ترسم هدفًا للتلميذ من أول يوم يضع فيه قدمه على خط التعلم، ليسعى إلى الوصول إليه قدر إمكانه، وأعتقد أنكم لاحظتم أن علامات التلميذ ودرجاته في الاختبارات كانت عادة متناسبة مع الهدف الذي يصبو أن يصل إليه.
وفي هذا المجال يمكن إعطاء قائمة توصيات تتعلق بالتربية الاقتصادية:
تأتي إن شاء الله تعالى.
وفي هذا المجال يمكن إعطاء قائمة توصيات تتعلق بالتربية الاقتصادية:
1/ علينا أن نعلم أولادنا أسلوب: الأهم والمهم، وأسلوب: المستعجل وما يمكن تأجيله، حينها سيفهم أنه لا يلزم على الأبوين توفير كل ما يرغب به مباشرة، وسيتعلم كيف يؤجل بعض رغباته لأن غيرها أهم منها.
2/ علينا أن نعلّم أولادنا تحديد الأهداف من أفعالهم بدءًا بما نراه نحن فعلًا ساذجًا لا قيمة له.
عندما ترى ابنك يكسر لعبته، قبل أن تزجره اسأله: لماذا فعلت ذلك؟ قد يقول لك: إنه يريد اكتشاف ما في داخلها، حينها يتعرف أن له هدفًا يُريد من خلاله إشباع فضوله العلمي، فهذا امر جيد، لكن السيء في المسألة أنه اتخذ طريقًا غير صحيح للوصول إلى إشباع رغبته المعرفية، حينها، علّمه أن هناك طريقة أخرى أفضل للتعرف على ما في داخل اللعبة.
لو أراد ولدك أن يخرج مع صديقه، اسأله عن الهدف من وراء ذلك، وعلّمه هدفًا محترمًا لائقًا به كرجل مستقبلي.
وهكذا لو أراد ولدك أن يشتري حاجة ما، لعبة، أو حقيبة، أو ممحاة، أو مبراة... وهكذا لو تطورت طلبات الولد ليشتري جهازًا لوحيًا مثلًا، أو أراد أن يبدّل جهازه اللوحي بآخر أغلى ثمنًا منه، في كل ذلك اجلس معه جلسة صديق، وحدّد معه الهدف من كل تلك الأفعال، وستجد أن العديد من التصرفات ستتغير، والكثير من المصروفات ستقلّ عندما يفهم مثلًا أن الجهاز الأغلى يؤدي نفس عمل الجهاز الأقل سعرًا، وأن الحكمة تقتضي عدم شراء الزائد على الحاجة.
3/ عندما تحدّد هدفًا ما لولدك، عليك أن تنبهه أن تحقيقه ليس بالمجّان، وأن عليه أن يسعى إلى رفع كل الموانع التي قد تواجهه، والتي منها الموانع النفسية.
فمثلًا تقليل المصروف قد يواجه رغبة نفسية بالصرف أكثر، لأنه يرى أن صديقه يصرف أكثر مما يصرفه هو، علّمه حينها، وضّح له أن النفس لن تشبع عند مطلب، أن النجاح يقتضي أن نقاوم شهواتنا قليلًا.
افهمه أننا لا نحرم أنفسنا مما تحتاج إليه، ولكننا لا نعطيها أكثر مما تحتاج إليه.
وهكذا عليك أن تجد أي فرصة لتوضح لولدك أن صرف المال لا بد أن يكون في موضعه المناسب.
الأسلوب الثالث: التأجيل أولى من القروض والفوائد.
نعيش اليوم في عالم متسارع جدًا، في مختلف مجالاته، حتى في شركات الأدوية، والتغذية، بل والأحذية! في كل شيء هناك تسارع، والأسعار تزداد باستمرار، والرغبات النفسية لدى الجميع لا حدود لها، وهنا، قد يقع أولادنا فريسة للإعلانات الممولة -والتي يخسر عليها أصحابها ما لا نتوقعه من أموال- فيتهالكون –أولادنا- على اقتناء أكبر قدر ممكن مما يُعرض على شاشات التلفاز أو ما تواجههم صور إعلاناته في طريق مدرستهم، أو حتى الإعلانات التلقائية على مواقع النت (you tube)، ولأن المال الذي لديهم قد لا يكفي لسد رغباتهم، قد يلجؤون إلى أساليب أخرى منها:
أ/ الشراء بالآجل، الأمر الذي يعني رفع سعر الحاجة، وبالتالي قد تنكسر الحاجة التي يشتريها الولد قبل أن يُكمل تسديد ديونه عليها!
ب/ الاقتراض من أصدقائهم. ووقوعهم في حرج معهم، أو ربما يتطور الأمر ليستغلهم أصدقائهم لبعض مآربهم، وتهديدهم بإخبار الأهل بأنهم اقترضوا منهم، وفي هذا ما لا تحمد عقباه.
ج/وربما يصل الحد إلى (السرقة) من الأب أو الأم!
لذا، علينا في قبال ذلك أن نعلمهم على:
أ/أن تأجيل الرغبات أمر يحكم به العقل، وأن الإنسان لا بد أن يضبط نفسه لا يلهث وراء طلباتها غير المتناهية.
ب/أن نعدهم بشراء الحاجة حينما تكون ضرورية لهم، بلا حاجة إلى الاقتراض أو أخذها مع تحميلها فوائد إضافية، ونصدق معهم لو جاء الوقت المناسب لشرائها.
ج/ تعليمهم فن (الادّخار) كما تقدم، وتشجيعهم عليه من خلال إخبارهم بأن بإمكانهم شراء الأمور التي يحتاجونه من مدّخراتهم، وأنكم لن تعرضوا عليهم ما داموا يشترون ما يحتاجون إليه.
اللهم صل على محمد وآل محمد.
_________________
منتديات الأقمارالمحمدية